زراعة شبكية ثورية.. تعيد البصر للمكفوفين
د. خلود البارون
٢٠ أكتوبر ٢٠٢٥
0 تعليق
في إنجاز طبي وصف بأنه «ثوري ويغيّر الحياة»، نجح أطباء في مستشفى مورفيلدز للعيون بلندن في زراعة شريحة دقيقة في مؤخرة العين لعدد من المكفوفين، مما مكنهم من استعادة قدرتهم على القراءة والقيام بأنشطة حياتية أساسية.
◄ أمل جديد
يعاني أكثر من 250 ألف شخص في المملكة المتحدة وحدها، ونحو 5 ملايين حول العالم، من الشكل المتقدم من الضمور البقعي المرتبط بتقدم العمر، المعروف طبياً باسم «انحلال البقعة الصفراء»، ويؤدي هذا المرض إلى تدهور خلايا شبكية العين في المنطقة المسؤولة عن الرؤية المركزية الدقيقة، ما يُسبب تشوشاً شديداً وفقداناً للتفاصيل والألوان.
◄ زراعة شريحة ضوئية
الابتكار الجديد يتمثل في زرع شريحة ضوئية صغيرة جداً بحجم 2 ملم مربع، وسُمك يعادل شعرة إنسان، تحت شبكية العين.
ويقوم المرضى بعد الجراحة بارتداء نظارات مزودة بكاميرا فيديو دقيقة تُرسل صوراً بالأشعة تحت الحمراء إلى الشريحة المزروعة، والتي بدورها تنقلها إلى معالج صغير في الجيب لتحسينها وتوضيحها.
ثم تُرسل الصور المعززة عبر العصب البصري إلى دماغ المريض، ما يتيح له إدراكاً بصرياً جزئياً جديداً. وقد خضع المرضى لتدريبات مكثفة لأشهر عدة لتعلم كيفية تفسير هذه الصور الجديدة.
◄ قفزة طبية كبرى
الدكتور ماهي موكيت، الجراح الاستشاري في مستشفى مورفيلدز والمسؤول عن الدراسة السريرية في المملكة المتحدة، وصف التقنية بأنها «رائدة ومغيّرة للحياة»، مؤكداً: «لأول مرة، نُثبت أن الزراعة تمنح المرضى رؤية عملية يمكنهم استخدامها في حياتهم اليومية، مثل القراءة والكتابة. إنها قفزة طبية كبرى».
وشارك في التجارب السريرية 32 مريضاً من خمس دول أوروبية، جميعهم مصابون بالضمور البقعي. وتمكن 27 منهم من استعادة القدرة على القراءة باستخدام الرؤية المركزية، مع تحسن يعادل قراءة خمسة أسطر إضافية في لوحات فحص النظر بعد عام من الزرع.
◄ تجربة شخصية
قالت شيلا إيرفاين، البالغة من العمر 70 عاماً، والمُسجّلة رسمياً ككفيفة، في تصريح لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC): «الأمر أشبه بالمعجزة.. لقد أصبحت قادرة على القراءة من جديد، وهذا يمنحني متعة لا توصف».
وتُعد حالة شيلا، من ويلتشاير، من أبرز القصص الملهمة؛ إذ كانت عاجزة تماماً عن القراءة، حتى لأكبر لافتات الطرق، وتعتمد على عصا بيضاء للتنقل بسبب ضبابية الرؤية المحيطية. وعندما اضطرت إلى التخلي عن رخصة القيادة قبل سنوات، بكت من شدة الألم. لكن بعد الزراعة، أصبح بإمكانها اليوم قراءة بريدها، الكتب، وحل الكلمات المتقاطعة والسودوكو. وأثناء اختبار لها في مستشفى مورفيلدز، قرأت لوحة فحص النظر من دون أي خطأ.
وتقول شيلّا: «لم أتوقع يوماً أن أتمكن من القراءة مجدداً. هذا شيء مذهل. أشعر وكأنني في حلم، وأنا سعيدة جداً».
◄ تحديات وقيود
ولا ترتدي شيلا الجهاز عند خروجها من المنزل، بسبب الحاجة إلى تركيز كبير وثبات الرأس أثناء استخدامه، ولكونها ترغب عن الاعتماد المفرط عليه. لكنها تقول إنها «تُسرع في إنجاز أعمال المنزل يومياً» لتتفرغ لاحقاً لارتداء النظارات والقراءة.
◄ مستقبل الزراعة
رغم النتائج المبهرة، لا تزال زراعة شريحة Prima غير مرخّصة للاستخدام التجاري، وهي متوافرة فقط ضمن التجارب السريرية. ولم يُحدّد بعد ما إذا كانت ستكون متاحة على نطاق واسع، وما تكلفتها المحتملة.
لكن د. موكيت أعرب عن أمله في أن يتم توفيرها لبعض مرضى هيئة الخدمات الصحية البريطانية خلال السنوات القليلة المقبلة.
وقال د. بيتر بلومفيلد، مدير الأبحاث في جمعية الضمور البقعي: «النتائج مشجعة للغاية، وتشكل خبراً رائعاً لأولئك الذين ليس لديهم حالياً أي خيارات علاجية. نراقب باهتمام كبير لمعرفة ما إذا كان الجهاز سيُعتمد رسمياً في المملكة المتحدة، ونتمنى أن يتاح عبر هيئة الخدمات الصحية البريطانية».
ويشير الخبراء إلى أن هذه الزراعة لا تفيد الأشخاص الذين وُلدوا مكفوفين، لأنهم يفتقرون إلى العصب البصري اللازم لنقل الصور إلى الدماغ. إلا أن هذه التقنية قد تُستخدم لاحقاً لأمراض أخرى تصيب العين، مما يعزز الآمال في مستقبل علاجات العمى.
وبذلك فإن التقدم في مجال زراعة الشبكية الاصطناعية يفتح آفاقاً غير مسبوقة في علاج العمى المرتبط بتقدم العمر، ويمنح الأمل لملايين المرضى. وبينما لا تزال هذه التقنية في مرحلة التجريب، فإن قصص النجاح كقصة شيلا تُعد مؤشراً واعداً على تحوّل طبي جذري قد يغير حياة الكثيرين في المستقبل القريب.
https://www.alqabas.com/article/5954600 :إقرأ المزيد