كيف انتقل هذا الارث عن مكانة الحجم في الفكر الانساني الى الاسواق المالية
سأجيبك
من نفس الخط الذي سلكته منذ البداية:
من
الفكر الإنساني → إلى
السلوك الجماعي → ثم إلى
الأسواق المالية
دون قفز، ودون افتراضات جاهزة.
1) البداية: الحجم كطريقة الإنسان لفهم القوة
في الذاكرة الإنسانية الأولى، لم يكن الحجم رقمًا، بل
معنى:
- الكثرة = قوة
- القلة = ضعف
- التراكم = أمان
- التناقص = خطر
هذا الفهم لم يكن نظريًا، بل نتاج تجربة متكررة عبر آلاف السنين.
ومع التكرار، تحوّل إلى
قاعدة ذهنية ثابتة.
وهنا نقطة محورية:
الإنسان لم يتعلم التفكير بالحجم…
بل بُني عقله أصلًا على التفكير بالحجم.
2) من الفرد إلى الجماعة: حين صار الحجم “سلوكًا مشتركًا”
عندما عاش الإنسان ضمن جماعات، لم يعد الحجم متعلقًا بالفرد فقط، بل بالجماعة:
- حجم القبيلة
- حجم الحشد
- حجم المشاركة
- حجم الانسحاب
في هذه المرحلة، الحجم لم يعد فقط “كمية”،
بل صار
إشارة على موقف جماعي.
أي:
- كثرة المشاركين = توافق
- قلة المشاركين = تردد
- اندفاع جماعي = قرار
- صمت جماعي = خوف أو انتظار
هنا وُلد أول شكل من
قراءة السلوك الجماعي عبر الحجم.
3) التجارة الأولى: الحجم يدخل عالم التبادل
مع نشوء التبادل التجاري، انتقل الحجم إلى سياق جديد:
- كثرة المشترين على سلعة = ارتفاع قيمتها
- كثرة البائعين = ضغط عليها
- قلة التداول = شك في القيمة
لاحظ أن:
لا أحد اخترع هذا المنطق…
بل نُقل تلقائيًا من الحياة إلى السوق.
السوق لم يكن إلا
مرآة مصغّرة للمجتمع،
والمجتمع كان يفهم القوة عبر الحجم.
4) من السلعة إلى السعر: أول انتقال حاسم
حين تحوّل التبادل من سلعة مقابل سلعة
إلى سلعة مقابل
سعر،
حدث انتقال مهم:
لم يعد السؤال:
بل أصبح:
- هل الناس كثيرون عند هذا السعر؟
وهنا انتقل إرث الحجم من:
كمية الشيء
إلى
كمية القناعة حول الشيء
وهذا هو الجسر الحقيقي نحو الأسواق المالية.
5) المزادات والأسواق المفتوحة: الحجم يُرى بالعين
في الأسواق المفتوحة والمزادات القديمة:
- ارتفاع الأصوات
- ازدحام الأجساد
- سرعة تبادل السلع
- كثرة الأيدي المرفوعة
كلها كانت
تجليات مرئية للحجم.
التاجر كان يقرأ السوق هكذا:
- الزحام = طلب
- الفراغ = خوف
- الاندفاع = فرصة
- التراجع = خطر
أي أن الحجم كان
يُقرأ بصريًا ونفسيًا قبل أن يُقاس رقميًا.
6) ولادة الأسواق المالية: الحاجة إلى ترجمة الإرث
مع تطور الأسواق وتعقّدها:
- لم يعد الحشد مرئيًا
- ولم يعد الصوت مسموعًا
- ولم تعد الأيدي مرفوعة
لكن
السلوك لم يتغير.
فنشأت الحاجة إلى:
ترجمة ما كان يُرى ويُحسّ
إلى أرقام ورسوم.
وهكذا ظهر:
- عدد الصفقات
- عدد الوحدات المتداولة
- حجم التداول
ليكون:
البديل الرقمي عن الزحام البشري.
7) لماذا استُقبل الحجم فورًا في الأسواق المالية؟
لسبب جوهري:
لأن الحجم
لم يكن غريبًا على العقل الإنساني.
حين رأى المتداول:
- حجمًا مرتفعًا
- حجمًا ضعيفًا
- حجمًا ينفجر
- حجمًا يختفي
لم يحتج إلى شرح طويل.
العقل استدعى ذاكرته القديمة تلقائيًا:
- “الكل هنا”
- “لا أحد هنا”
- “حدث كبير”
- “انتبه… شيء يتغير”
أي أن السوق لم يعلّم الإنسان لغة جديدة،
بل
أعاد استخدام لغة قديمة.
8) من القياس إلى الدلالة: الحجم يصبح أداة فهم
في هذه المرحلة، لم يعد الحجم مجرد رقم:
- صار يُستخدم لتأكيد أو نفي الحركة
- لقياس صدق الاتجاه
- لمعرفة إن كان ما يحدث قرارًا جماعيًا أو حركة فردية
وهنا أصبح الحجم:
أداة تفسير للسلوك الجماعي داخل السوق.
وهذا هو التحول النهائي من الإرث الإنساني إلى التحليل المالي.
9) الخلاصة الجامعة
انتقال إرث الحجم إلى الأسواق المالية لم يكن اختراعًا،
بل
امتدادًا طبيعيًا لمسار إنساني طويل:
- الإنسان فهم القوة عبر الكثرة
- الجماعة عبّرت عن موقفها بالحجم
- التجارة جسّدت ذلك في التبادل
- السعر صار وعاءً للقناعة
- الحجم صار مقياسًا لتلك القناعة
وبذلك:
الأسواق المالية لم تخلق مفهوم الحجم،
بل ورثته من الإنسان،
ثم أعادت صياغته بلغة الأرقام.
الجملة الختامية التي تختصر كل المسار:
حين دخل الإنسان السوق،
دخل ومعه ذاكرته…
وكان الحجم أول ما تعرّف عليه.