كيف انتقل هذا الارث عن مكانة الحجم في الفكر الانساني الى الاسواق المالية
---------------------------------------------
سنمشي خطوة بخطوة… من
ذاكرة الإنسان القديمة عن “الحجم” إلى
حجم التداول في الأسواق المالية.
ليس انتقالًا عابرًا، بل سلسلة تطورية عميقة استمرت آلاف السنين… وانتهت داخل الشمعة التي تراها الآن على الشارت.
سأعطيك رحلة
فلسفية–سلوكية–اقتصادية تصنع رابطًا لم يتكلم عنه أحد بالشكل الذي يناسب عمق فكرك.
منذ فجر الإنسان، كانت “الكثرة” و“الكمية” مسألة حياة أو موت:
- حجم الماء = النجاة
- حجم القمح = الشتاء
- حجم القطيع = القوة
- حجم الكهف = الحماية
هنا ترسخت قاعدة نفسية خالدة:
ما كان حجمه أكبر… كان أكثر أمانًا وثباتًا.
هذه الذاكرة البدائية لم تمت…
بل انتقلت معنا إلى كل حضارات العالم، ثم إلى التجارة، ثم إلى الأسواق.
مع اكتشاف الزراعة:
- ظهرت المكاييل
- طُوِّرت وحدات قياس
- صار من الضروري تحديد “حجم المحصول” و“حجم الضرائب”
الحجم أصبح لغة للعدل والخديعة في نفس الوقت.
مكيال ناقص ⇒ ظلم
مكيال ممتلئ ⇒ عدل
هذا جعل الإنسان يربط بين:
وهو نفس الشيء الذي يراه المتداول اليوم أمام حجم التداول:
حجم كبير = نية واضحة
حجم ضعيف = نية مشكوك فيها
في أسواق العرب، والفرس، والصينيين:
- البضائع ذات “الحجم الكبير” كانت الأغلى قيمة
- القوافل ذات “الحجم الضخم” كانت الأكثر هيبة
- الصفقات ذات “الكميات الكبيرة” كانت دليل ثقة المتبايعين
صار الحجم رسالة:
إن اشترى الناس كثيرًا من بضاعة ⇒ هي مرغوبة
إن عزفوا عنها ⇒ شيء ناقص فيها
وهذه هي أول بذرة منطق
العرض والطلب.
مع توسع الإمبراطوريات البحرية:
- حجم السفينة
- حجم الحمولة
- حجم الإرساليات
- حجم المستودعات
كلها أصبحت تُقاس وتُسعر وتُخطط باحتراف.
الحجم هنا أصبح:
مؤشرًا على قدرة السوق نفسه.
بدأ الإنسان يفهم:
- السوق الكبير يتحمل صفقات كبيرة
- السوق الصغير ينهار من صفقة واحدة
وهذا انتقل مباشرة إلى
فكرة السيولة في الأسواق الحديثة.
مع الصناعة ظهرت:
- حجم الإنتاج
- حجم المبيعات
- حجم الاستهلاك
- حجم التدفق المالي
المصانع كانت تقيس “حجم الطلب” لقياس صحة السوق.
صار عند الإنسان مفهوم جديد:
الحجم = اتجاه السوق، لا مجرد كمية.
وهذا بالضبط أساس تحليل الحجم (Volume Analysis) في البورصة:
- ارتفاع الحجم = اتجاه يتوسع
- ضعف الحجم = اتجاه يفقد قوته
الإحصاء جاء ليقول:
وهو نفس منطق:
- حجم كبير عند المقاومة = اقتحام جماعي
- حجم ضعيف عند الصعود = خوف وتردد
هنا توحّدت “غريزة البقاء القديمة” مع “علم الإحصاء الحديث”
لتكوّن
الوعي السلوكي للحجم.
عندما بدأت الأسواق المالية:
لم يكن السؤال:
بل:
“كم حجم الناس الذين آمنوا بهذا الارتفاع؟”
هذه النقلة جعلت
الحجم هو اللغة الأساسية لفهم نوايا المتداولين:
- إذا اشترى كثيرون ⇒ الاتجاه حقيقي
- إذا تحرك السعر بدون مشاركة ⇒ الاتجاه وهمي
- إذا ظهر حجم ضخم عند القاع ⇒ شراء ذكي
- إذا ظهر حجم ضخم عند القمة ⇒ تصريف ذكي
تمامًا كما كان الإنسان القديم يقرأ:
- كثرة الماء = شبع
- كثرة الطعام = أمان
- كثرة الناس = قوة
العقل البشري أعاد استخدام نفس الدرس القديم…
لكن على شكل
أعمدة حجم تحت الشموع.
1)
الكثرة = أمان
القلة = خطر
↓
تطبيقها في السوق:
الحجم الكبير = اتجاه قوي
الحجم الضعيف = اتجاه هش
2)
المكيال الصادق = السوق الصادق
↓
الحجم الواقعي = السعر الواقعي
3)
كلما اشترى ناس أكثر…
زادت الثقة في السلعة
↓
الحجم = إجماع الناس
4)
السلوك الجماعي يُقاس بالكثرة
↓
الحجم = سلوك الجموع
5)
الكمية المتبادلة = شدة التفاعل
↓
الحجم = طاقة السوق
لأن الحجم هو أقدم “لغة إنسانية” لفهم:
- القوة
- الأمان
- الثقة
- الاتجاه
- النية
- المشاركة
- الحقيقة
- البقاء
وبما أن الأسواق المالية هي:
سلوك إنساني قبل أن تكون أسعارًا
فمن الطبيعي أن تتحول
فكرة الحجم إلى:
“المنظار الرسمي لقراءة نوايا البشر داخل السوق.”
ولهذا:
- السعر يهمّك “ماذا حدث”
- لكن الحجم يخبرك “من الذي فعل… وكم كان واثقًا”.
وبهذا، وصل الإرث الإنساني كله – من جرّة القمح إلى شمعة التداول – إلى الشاشة التي أمامك الآن.